الارشيف / تداول وأسواق مال

حروب تجارية.. والخاسر المستهلك والاقتصاد وربما الدولار أيضاً

هذا الخبر يأتيكم برعاية موقع عيون الجزيرة الاخباري ويتمنى لكم قضاء وقت ممتع في قراة هذا الخبر

د. جاسم المناعي *

لا شك أن توجهات الرئيس الأمريكي ترامب في فرض رسوم جمركية إضافية على صادرات كل من كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يشعل حروباً تجارية بين أمريكا وهذه الدول.
وبالفعل فقد قررت هذه الدول كإجراءات انتقامية فرض رسوم جمركية إضافية على صادرات أمريكا إلى أسواقها. إن مثل هذه الإجراءات الحمائية من شأنها أن تنهي مرحلة من المكاسب التي تحققت من خلال ازدهار العولمة وحرية التجارة وحركة تنقل الأفراد. إن تداعيات انتهاء هذه المرحلة سوف تنعكس سلباً على كثير من الأمور الاقتصادية، بما يشمل تشويه عملية توطن الأنشطة الاقتصادية وزيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات، هذا إضافة إلى إضعاف معدلات النمو الاقتصادي العالمي، كما أن هذه التداعيات قد تنسحب على وضع الدولار في التعاملات المالية العالمية.
بالنسبة لتوطن الأنشطة الاقتصادية فقد كانت خلال الفترة الماضية تتمتع بحرية ومرونة كبيرة في اختيار البلدان والمواقع التي تؤدي من خلالها ممارسة أنشطتها الإنتاجية والاقتصادية وذلك وفقاً للمزايا النسبية التي تمتاز بها هذه المواقع والبلدان. أما مع هذه الإجراءات الجديدة والقائمة على وضع حواجز جمركية حمائية فإن توطن الأنشطة الاقتصادية بين البلدان فستكون بالتالي وفقاً لقرارات سياسية مصطنعة وليس بالضرورة على أساس اعتبارات اقتصادية محضة وبالنسبة لموضوع ارتفاع تكاليف الإنتاج، فستكون نتيجة طبيعية لرفع الرسوم الجمركية خاصة وأن عمليات الإنتاج حالياً تعتمد على مدخلات تأتي من عدة بلدان وليس جميعها ينتج في البلد الواحد.
لذلك، فإن رفع الرسوم الجمركية سوف يزيد من تكاليف هذه المدخلات، وبالتالي سوف ينعكس على تكاليف المنتجات النهائية. هذا ينطبق أيضاً على أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية التي سوف ترتفع بالتبعية، الأمر الذي سوف يثقل كاهل المستهلك الذي سوف يواجه وفقاً لذلك احتمال عودة التضخم من جديد، مما قد تضطر السلطات النقدية ربما إلى رفع أسعار الفائدة التي بدورها يمكن أن تضر بفرص وإمكانات النمو الاقتصادي، إذن فإن رفع الرسوم الجمركية من شأنه أن يؤثر سلباً على معدلات النمو الاقتصادي من خلال تقليص حجم التجارة والصادرات من ناحية ومن خلال ارتفاع تكاليف الإنتاج وعودة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة من ناحية أخرى.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو، هل الاقتصاد الأمريكي في وضع يسمح له بإشعال مثل هذه الحروب التجارية من خلال رفع الرسوم الجمركية على صادرات شركائه التجاريين؟.. في الواقع هناك عدة مؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي في طور حالة من الركود الاقتصادي، وأن بناء جدار جمركي ليس من شأنه إلا أن يجعل مثل هذه الحالة تزداد سوءاً. إن استدامة الوضع المالي الأمريكي يعتمد على تعاون الشركاء التجاريين والاقتصاديين من دول العالم والذين تمكن دولهم أمريكا من الاستمرار في التعايش مع هذا العجز المالي والمديونية المرتفعة.
عاجلاً أم آجلاً سوف تضطر أمريكا لطلب مساعدة هؤلاء الشركاء الذين تحاربهم حالياً من خلال رفع الرسوم الجمركية على منتجاتهم التي تدخل الأسواق الأمريكية. إن حاجة أمريكا لتعاون شركائها الاقتصاديين أصبحت ماسة، حيث إن العجز المالي والمديونية الأمريكية وصلت إلى حدود لا يمكن تجاهلها أو التقليل من خطورتها. إن عجز الميزانية الأمريكية يتجاوز نسبة 7% من الناتج الإجمالي المحلي، كما إن مديونية أمريكا تصل الآن إلى 122% من الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي. لقد سبق لأمريكا وأن فقدت نتيجة لهذا الوضع المالي بعضاً من جدارتها الائتمانية كما أن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يفقدها المزيد في هذا الشأن.
وفي حالة استمرار هذه الحروب التجارية وتأثيرها على الوضع المالي والاقتصادي فإن تداعيات ذلك على أمريكا سوف تنعكس في شكل، أولاً صعوبة إقناع الشركاء التجاريين بالاستمرار في الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي من خلال شراء السندات الأمريكية وتمويل العجز والمديونية الأمريكية المتضخمة. وثانياً، من شأن كل هذه الأمور أن تنعكس على وضع الدولار الأمريكي حيث إن مركز الدولار العالمي قائم على أساس قوة ومتانة الاقتصاد الأمريكي، لكن وقبل كل شيء قائم على الثقة بأن أمريكا لن تفاجئ العالم بإجراءات وقرارات من شأنها الإضرار بمصالح دول العالم وعلى الأخص شركائها الرئيسيين.
* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

شكرا لمتابعينا قراءة خبر حروب تجارية.. والخاسر المستهلك والاقتصاد وربما الدولار أيضاً في عيون الجزيرة ونحيطكم علما بان محتوي هذا الخبر تم كتابته بواسطة محرري موقع الخليج الاماراتي ولا يعبر اطلاقا عن وجهة نظر عيون الجزيرة وانما تم نقله بالكامل كما هو، ويمكنك قراءة الخبر من المصدر الاساسي له من الرابط التالي موقع الخليج الاماراتي مع اطيب التحيات.

*** تنويه هام ***
موقع عيون الجزيرة لا يمت بأي صلة لشبكة الجزيرة الاخبارية او قنوات الجزيرة القطرية فنحن موقع اخباري خليجي متعدد المصادر

قد تقرأ أيضا