عيون الجزيرة – إسطنبول
كشف فريق من علماء الآثار الأتراك عن اكتشاف أثري استثنائي في مدينة ستراتونيكيا اليونانية القديمة الواقعة جنوب غرب تركيا، تمثل في مكتبة يونانية رومانية يعود تاريخها إلى نحو ألفي عام، الأمر الذي يلقي الضوء على البنية الثقافية والتعليمية في إحدى أبرز المدن الكلاسيكية في منطقة الأناضول.
وأوضحت نتائج التنقيب أن المكتبة بُنيت في العصر الهلنستي، ثم أُعيد تصميمها خلال الحقبة الرومانية، واستمرت في نشاطها حتى القرن الرابع الميلادي، وهو ما تؤكده الزخارف الفسيفسائية التي أضيفت لاحقًا إلى المبنى. وتوجد المكتبة في نقطة مركزية عند تقاطع أربعة شوارع رئيسية، ما يعكس أهميتها المعمارية والاجتماعية.

وبحسب البروفيسور بلال سوجوت، المشرف على المشروع من جامعة باموك قلعة، فإن أعمال التنقيب التي استمرت أكثر من خمس سنوات أسفرت عن اكتشاف مدخل المكتبة، والرواق الجنوبي، والفناء الداخلي، وقاعات القراءة، إلى جانب غرف جانبية متعددة، ما يدل على أن المبنى كان منشأة تعليمية ضخمة وذات تأثير كبير.
وأكد سوجوت أن تصميم المكتبة غير مسبوق في الأناضول، ولا يتطابق مع أي مكتبة قديمة أخرى معروفة في المنطقة، مشيرًا إلى احتمال تأثيرها على مكتبات لاحقة تم إنشاؤها في شمال أفريقيا، ما يعكس وجود روابط ثقافية عابرة للبحر الأبيض المتوسط.
وقد تضررت المدينة والمكتبة بفعل زلزال قوي ضرب المنطقة مطلع القرن السابع، إلا أن أجزاء من المكتبة ظلت قائمة، مما سمح للباحثين بإعادة بناء تصور دقيق لتاريخها المعماري والوظيفي على مدى قرون.
يذكر أن مدينة ستراتونيكيا، التي عُرفت تاريخيًا باسم "مدينة المصارعين"، تأسست خلال العصر الهلنستي وسُميت تيمنًا بـ"ستراتونيكي"، زوجة الملك السلوقي أنطيوخس الأول. ورغم خضوع المدينة للسيطرة الرومانية، فإنها احتفظت بهويتها اليونانية المميزة، وهو ما يظهر بوضوح في تخطيطها الحضري وهندستها المعمارية.
وتُعد ستراتونيكيا من أهم المدن الأثرية في منطقة "كاريا" القديمة، نظرًا لما تحتويه من منشآت عامة ومسارح ومعابد وأسواق، ما يجعلها نموذجًا فريدًا على تداخل وتأثير الحضارتين اليونانية والرومانية في الأناضول.